تحرير الإسلام للإنسان من عبودية كل شيء سوى الله تعالي
Bonjour à vous dans le forum eladmaoui :: القسم الاسلامي :: قصص ألانبياء والرسل :: منبر الدروس والخطب
صفحة 1 من اصل 1
تحرير الإسلام للإنسان من عبودية كل شيء سوى الله تعالي
خطبة جمعة :
تحرير الإسلام للإنسان من عبودية كل شيء سوى الله تعالي
تحرير الإسلام للإنسان من عبودية كل شيء سوى الله تعالي
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[1] (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)[2].( يا أيها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً ، يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)[3].
أما بعد :
فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار. واعلموا أن الله عز وجل لم يبعث محمداً صلى الله عليه وسلم بشيراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، إلا بعد أن عمّ الظلام الأرض ، وأطبق عليها الضلال ، وانغمست الأمم في ألوان من الزيغ والإنحراف وانطمست معالم الهدى ، ودرست آثار دعوات الأنبياء وتفنن الناس في عبادة غير الله عز وجل ، فلم يدعوا كوكباً ولا شجراً ولا حجراً ولا ناراً ولا فرجاً ولا بشراً ولا غير ذلك ، إلا اتخذوا منه آلهة عبدوها من دون الله عز وجل وانحط العقل البشري انحطاطاً ساحقاً فخضع واستكان لمخلوقات مثله أو أدنى منه لا تملك لنفسها ولا لغيرها نفعاً ولا ضراً ، وتنكّر لخالقه المنعم عليه وهذا مصداق ما روى أبو الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إني والجن والإنس في نبأ عظيم أخلق ويعبد غيري وأرزق ويشكر غيري ) رواه البيهقي في الشعب وسنده ضعيف.
وقد ورد وصف الحال التي كانت عليها الأمم قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم في صحيحه (2865) عن عياض المجاشعي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذات يوم في خطبته : ( ألا إن ربي أمرني أن أعلمكم ما جهلتم مما علمني يومي هذا كل مالٍ نحلته (1) عبداً حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وانهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم (2) عن دينهم وحرّمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطاناً وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب ..).
وكان من مظاهر الشرك أن العرب يعبدون الأصنام ، ومن أشهر هذه الأصنام عندهم: هبل التي كانت في جوف الكعبة ، ومناة التي كانت بالمشلل على ساحل البحر الأحمر بالقرب من قديد ، واللات التي كانت بالطائف ، والعزى التي كانت بوادي نخلة ، ثم اتسعت دائرة الشرك وكثرت الأوثان عند العرب حتى صارت في كل بقعة من الحجاز ، ثم انتشرت في القبائل ..بل صار في كل بيت صنم ، كما ملئوا المسجد الحرام بالأصنام حيث كان حول الكعبة ثلاثمائة وستون صنماً وهي التي حطمها النبي صلى الله عليه وسلم عند فتح مكة يطعنها بالقوس ويقول :
(وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً)[4]. (قُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ وَمَا يُعِيدُ)[5]. والأصنام تتساقط على وجوهها وإذا كان هذا حال العرب من السقوط والانحدار في أمر العبادة ، فما بالك بالأصول الأخرى من الأخلاق والشئون الاجتماعية ، والمتأمل في القرآن الكريم يجد الشيء الكثير مما أماط القرآن اللثام عنه ، وكشف حقيقته فيدرك المرء الدرك الذي وصلت إليه تلك المجتمعات في كل نواحي الحياة ، ويدرك أيضاً مدى النعمة العظيمة على البشرية جميعاً بمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان منحة عظيمة تتمثل في التصور الذي أبرزته بعض الآيات القرآنية مثل قوله تعالى هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)[6] (الجمعة:2). (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)[7] .
وقد عرض القرآن الكريم صوراً كثيرة من الأمور التي كانوا يمارسونها في حياتهم مثل: سفك الدماء ، وقتل الأولاد ، ووأد البنات ، وأكل مال اليتيم ، والتعامل بالربا ، وانتشار جريمة الزنا ، وفشوّ الظلم ، وسيطرة القوي على الضعيف ، والثارات ، وتحريم كثير مما أحل الله واستحلال كثير مما حرم الله ، وإيمانهم بأخبار الكهنة والعرافين والمنجمين ، وكانت بيوت البغاء شائعة عندهم ، كما كانت المرأة ممتهنة مسلوبة الحقوق وكان التبني أمراً متعارفاً بينهم .. إلى غير ذلك من الأمور التي جاء الإسلام باقتلاع جذورها وتطهير النفوس والمجتمعات من أقذارها ومن ثمَّ غرس مكانها الفضائل والمحاسن التي لا يوجد في غير دين الإسلام وتفصيل هذه الجوانب لا يتسع له المقام.
والمراد أن مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء في وضع كان العالم فيه في حالة احتضار ولذلك لم تقدر الأنظمة السائدة حينذاك أن تصمد أمام الحق ، لا بقواتها وجيوشها وحروبها ، ولا بما عندها من الحجة التي تهاوت أمام البراهين الصادعة التي حملها إلى الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم من ربه تبارك وتعالى ، فانتشر الإسلام في أصقاع الأرض في فترة وجيزة ونشأ فيه من اشتد به تعلقه ومات في سبيله وهيأ الله من دعاة الإسلام وحماته وأبطاله ومخلصيه ومحبيه وعلمائه من كانوا سبباً في انتشار الإسلام والدفاع عن حياضه ، والحفاظ على بيضته ، والتصدي لكل الهجمات التي توجهت إليه من أعدائه ، سواء في مجال الحروب والقتال ، أو في مجال مقارعة الحجج وإبطال الأوهام والمطاعن والشبهات ، وهذا من كمال منته تعالى على هذه الأمة وتحقيقاً لوعده يوم أن قال سبحانه : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ، هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[8] (الصف: 8-9).
وكما أزاح الله عز جل بدعوة رسوله صلى الله عليه وسلم الباطل فإن فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الهدى ما فيه الكمال لتزكية النفس ، وتطهيرها والسمو بها في معارج الكمال ومن أبرز مظاهر ذلك العبادات ..وعلى رأسها أركان الإسلام العملية ، أعني الصلاة ، والصوم ، والزكاة ، والحج ، ففيها من المعاني والأسرار والثمرات ما لا يستطيع المرء أن يدرك كنهه ، ولا يدرك حقيقة ذلك كله إلا من أخلص العبادة لله سبحانه ، وأدى هذه العبادات على الوجه الذي يريده الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فمن هذه المعاني والأسرار ما تثمره هذه العبادات من التلاحم والمحبة والمودة بين الخاضعين المستسلمين بيد الله عز وجل ، مظهر في عجزهم وفقرهم وحاجتهم إلى مولاهم سبحانه يسألونه بلسان واحد الهداية : (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) ويسألونه النجاة من مزالق الطوائف التي انحرفت عن الهدى : (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) ويستقبلون بوجوههم إلى قبلة واحدة كما اتجهت قلوبهم إلى رب واحد وتتلاحم أقدامهم في صفوف متوازنة كما تتلاحم في مواجهة العدو في ميدان المعركة لأنهم الآن يواجهون عدواً واحداً هو الشيطان الذي يتربص بهم ويرص النبي صلى الله عليه وسلم صفوفهم حتى لا يختلفوا فتختلف قلوبهم ووجوههم فقد كان صلى الله عليه وسلم يقول لمن وراءه من المسلمين إذا أقبلوا على صلواتهم : ( لتسوّن صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم )رواه الشيخان عن النعمان بن بشير. وأخرجا عنه أيضاً أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح ، حتى رأى انّا قد عقلنا عنه ثم خرج يوماً فقام حتى كاد أن يكبّر فرأى رجلاً بادياً صدره فقال : ( عباد الله لتسونّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين وجوهكم ) وروى عنه أيضاً أبو داود أنه قال: أقبل رسول لله صلى الله عليه وسلم على الناس بوجهه فقال أقيموا صفوفكم ) ثلاثاً : (والله لتقيمنّ صفوفكم أو ليخالفنّ الله بين قلوبكم قال: فرأيت الرجل يلزق منكبه بمنكب صاحبه وركبته بركبته وكعبه بكعبه ) وتلاحم المناكب والكعاب رمز إلى ما يجب أن يكون عليه المسلمون من تلاحم القلوب ، الذي يثمر الولاء والنصرة والمحبة والتعاون على البر والتقوى ، والنصح وصدق التعامل ، وصدق القول والوفاء في الوعد والعهد وأداء الأمانة ، وغيرها من مكارم الأخلاق التي تتلاءم مع القيام بهذه العبادة ومناجاة الرب تعالى.
والحق تبارك وتعالى قد أخبر عن آثار هذه العبادة إذا كانت على وجهها الصحيح بقوله : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)[9] .
كما أخبر عن الحكمة من مشروعية الطهارة التي تسبق هذه العبادة قبل الإقبال على مناجاة الرب سبحانه وتعالى حيث قال : (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[10] (المائدة:6) ويعبر النبي صلى الله عليه وسلم عن مدى حبه وتعلقه بهذه العبادة وراحته القلبية والنفسية عند مخالطتها بقوله وجعلت قرة عيني في الصلاة ) رواه النسائي واحمد والحاكم والبيهقي عن أنس . وكل هذا مما يؤكد أن الله عز وجل لا يشرع لعباده شيئاً إلا لحكمة ومنافع جليلة ينالها العبد في الدنيا والآخرة.
الخطبة الثانية :
الحمد لله حق حمده حمداًَ يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه وجليل آلائه ، شرع لعبادة من الأحكام ما يصلح بها أمر دينهم ودنياهم ، وما تزكوا بها نفوسهم وتستقيم بها أخلاقهم ، وينالون بها القرب من الله عز وجل والحظوة عنده والمقامات التي أعدها لأوليائه ، والصلاة والسلام على خير من عبدالله حق عبادته القائل : (أفلا أكون عبداً شكوراً ) رواه الشيخان عن المغيرة بن شعبة.وعلى آله الأبرار ، وصحابته الأخيار ، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فإن من الفوائد والمنافع العاجلة التي ينالها المؤمنون في الدنيا قبل الآخرة من وراء إقامتهم لعبادة الله سبحانه ، التقوى التي هي غاية ما يتسابق في سلمها الأبرار الأخيار ، والتي هي الحصن الحصين من كل زلل وارتكاس فقال عز وجل عن الصوم وما يثمره من التقوى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[11] .ولا ينال هذه المرتبة العظيمة إلا الصائمون عن الطعام والشراب والنكاح ، والصائمون عن اللغو والرفث ، والصائمون عن حقوق الناس وأعراضهم ، والصائمون عن كل ما حرم الله تعالى ، فهم الذين صامت جوارحهم ، وأمسكت عن كل ما حرم الله ، رغبة ورهبة ، وطاعة وامتثالاً في توبة صادقة نصوح.
وكم للصيام من فوائد في حياة المؤمن ، فمن ثمراته أن يورث الصبر والرحمة والإخلاص والصدق والشفقة على عباد الله ، وغير ذلك من الصفات الحميدة كالنظام في شئون الحياة ، والشعور بوحدة المسلمين وكبح جماح النفس وترويضها على ما تكره من الشدائد .. إلى غير ذلك.
كما إن الزكاة أيضا ًذات منافع عظيمة ، ذكر الله عز وجل منها ما جاء في قوله سبحانه : (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[12] .فهي أولاً حق مفروض لله تعالى يؤديه الأغنياء من أموالهم للمصارف التي حددها الله عز وجل في كتابه ، وبها تحل البركة في الأرزاق وتطهر النفوس من الشح والبخل والحرص ،وكلها أمراض فتاكة، وتغرس المودة والمحببة والألفة بين الأغنياء والفقراء ، وتحبب الإسلام إلى نفوس الفقراء والمساكين ، وتنقذ طبقات من الأيتام والأرامل ، من الآثار الوخيمة التي يولدها الحرمان ، وتحفظ المجتمع من التصدع ، إذ بالفقر يفشو الفساد مثل: السرقة ، والاغتصاب ، والبطالة ، وربما بيع الأعراض . وغير ذلك وقد يتحول الفقير المحروم إلى عدو على المجتمع الذي فقدت منه مظاهر الرحمة والشفقة فينقض على الأغنياء ، ويتربص بهم الدوائر ، ويسلك كل سبيل للخلاص منهم وقد يكون الفقراء في هذه الحال مرتعاً خصباً للأفكار الهدامة ، ومطية لكل دمار وفساد ، وهكذا لو يدرك الناس آثار هذه الشرعة المباركة في شأن الزكاة لأدوها بأمانة ، ووضعوها في أماكنها التي حددها الشارع الحكيم ، ليصونوا بذلك دينهم ودنياهم.
وفي الحج كذلك أسرار ومنافع جهلها المسلمون ، حتى أصبح كسائر العبادات مجرد شعار ورسوم مجردة من محتواها وأهدافها ومقاصدها وأسرارها ، والله عز وجل يقول : (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ، لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ )[13] وقد أطلق الله عز وجل المنافع ولم يفصلها وهي بلا شك كثيرة لمن تأملها وحرص على تحقيقها كيف وقد قال صلى الله عليه وسلم الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة) رواه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه. فالحاج يتجرد من الدنيا ، ومن مظاهرها ، ومن التعلق بها ، ويفارق أحبابه ومألوفاته ويتجه إلى ربه ملبياًَ للداعي ، مطلقاً لكلمات التوحيد والعبودية ، متبرئاً من كل معبود سوى الله عز وجل: لبيك اللهم لبيك ..لبيك لا شريك لك لبيك ..إن الحمد والنعمة لك والملك ..لا شريك لك.
ويتجه إلى كل المناسك فيقوم بالعبادات كما شرع الله عز وجل زماناً ومكاناً وحركةً ووقوفاً خاضعاً مستسلماً مظهراً كمال العبودية لله تعالى ، يمد يديه إلى السماء في خضوع وخشوع ومسكنة وذلة وفقر واعتراف بالذنب والتقصير راجياً رحمة ربه ورضوانه.
هذا إلى جانب ما يجنيه المسلمون من الشعور بالوحدة ، والمساواة ، عند الخالق سبحانه ، فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى وتجلي عظمة الله عز وجل في موقف عرفه التي لا يتميز فيها أحد على أحد.
ومن أسرار الحج ..أن يتعرف المسلمون على بعضهم ، كما يتعرفون على أحوالهم ويتدارسون مشكلاتهم ، ويخرجون بحلول لكثير من المعضلات ، ويرهبون بجمعهم ومودتهم أعداءهم ، هذه جملة من الأسرار والمنافع التي من شأن الحج أن يورثها في حياة الأمة الإسلامية ، لولا أنها غابت عن حياتهم العملية حين عمّ الجهل بدين الله ، وصارت العبادات أشكالاً ورسوماً خالية من الروح والمعنى ، مما يحتم على المسلمين أن يعيدوا النظر في أحوالهم ، وأن يراجعوا أمر دينهم ، وأن يدرسوا أسباب البعد عن هذه المعاني ، حتى يعود لهم سلطانهم وقوتهم وعزتهم ورهبتهم : (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ)[14].
--------------------------------------
[1] ) سورة آل عمران الآية : 102
[2]) سورة النساء الآية : 1
[3] ) سورة الاحزاب الآية : 70-71
(1) نحلته: أعطيته وفيه إنكار على ما كان يفعله العرب من تحريم ما احل الله في الأنعام وغيرها.
(2) اجتالتهم: استحفوهم وذهبوا بهم فأزلوهم عما كانوا عليه من الفطرة السليمة.
[4] ) سورة الإسراء الآية : 81
[5] ) سورة سبأ الآية : 49
[6] ) سورة الجمعة الآية : 2
[7] ) سورة آل عمران الآية : 164
[8] ) سورة الصف الآية : 8-9
[9] ) سورة العنكبوت الآية : 45
[10] ) سورة المائدة الآية : 6
[11] ) سورة البقرة الآية : 183
[12] ) سورة التوبة الآية : 103
[13] ) سورة الحج الآية: 27-28
[14] ) سورة الحج الآية : 40.
ينابيع تربوية – خاص
__________________
أم سيف الله
اللهم أرزقني ولدا صالحا يكن جندا من جنودك وسيفا مسلولاً على أعدائك ويقتل شهيدا في سبيل اعلاء كلمة التوحيد امين أمين امين
اللهم أرزقني ولدا صالحا يكن جندا من جنودك وسيفا مسلولاً على أعدائك ويقتل شهيدا في سبيل اعلاء كلمة التوحيد امين أمين امين
Bonjour à vous dans le forum eladmaoui :: القسم الاسلامي :: قصص ألانبياء والرسل :: منبر الدروس والخطب
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى